Monday, October 8, 2012

--- 19 ---



حين انظر لما رويته عليكم حتى الأن، أكاد اخجل من نفسي، فكيف اختصرت كل شيء في حياتي، إلى سلسلة لاتنتهي من النساء، نساء يدخلن ويخرجن من حياتي كأن الحياة ليست اكثر من ذلك، ولكنكم تعرفون ولابد بعد كل تلك الحكايات، انني هنا لأحدثكم فقط عن هذا الجانب من حياتي، وليس عن شيء اخر، فما همكم لو اخبرتكم ان سيارة مسرعة قد صدمتني في احدى الليالي محطمة اجزاء كثيرة من عظامي، تلك حكاية لن يكون لها اهمية بالنسبة لكم وهذا انا اكيد منه، لكن عندما اضيف إلى تلك القصة حكاية الممرضة التي كانت تعتني بي اثناء فترة مكوثي في المستشفى ستظهر علائم الاهتمام على محياكم، ذلك شيء لايمكنكم اخفائه، إنه سر المرأة في الحياة، سر الولادة من بطن امرأة والتوق إلى الموت في حضن امرأة، وبين الولادة والموت، ستكون هناك قصص النساء، امرأة تحبها، وامرأة تحبك، أما النساء اللواتي سيكون لهن الفضل في شقائك فهن اكثر مما يمكن لك تذكرهن، ولابد انه سيكون هناك الكثير من النساء اللواتي سيدفعنك للجنون في كثير من الايام، كما لن تكون لك ساعة جميلة بدون ان تشاركك بها امرأة ما، لن يكون للحياة معنى بدون تلك القصص، ذلك ما أعمل جاهدا ان حدثكم عنه؛
ألا تلاحظون معي ان من بين السطور الاخيرة لم يعلق في ذاكرتكم سوى كلمة واحدة، هي الممرضة، لا تستغربوا ، فذلك هو المنطق إن كنتم من الذكور، اما الإناث فأظنهم يهمسون بأني مجرد مجنون أخر في هذا العالم، الذي يظن نفسه مركز العالم، ومعلنين اني رجل اخر، مجنون مثل كل الرجال بأنفسهم، ولا يقدر ان يخرج من أنانيته المسيطرة عليه، خشية ان يقع فريسة المجهول، لا يسلم مقاليد الدفة خشية الغرق، وإنه يفضل ان يغرق بيديه على ان يترك لامرأة ما ان تمسك بالدفة التي قد تكون منجاة لهم، سيكون من الصعب على الرجل ان يسلم القيادة للمرأة ليس لأنه لايثق بها، بل لأنه احمق مغرور، كبريائه المتضخم من بقايا عصور الديناصور ، والذي رغم كل ضخامته كان لايكترث بأنه يبيض بيضة صغيرة ليستمر على قيد الحياة، الانسان يظن انه  تعلم الدرس، تعلم ان الديناصور انقرض لأنه لم يعطي لنفسه حقها، لم يقرر لكي يبقى على قيد الحياة ولا ينقرض ان يجد لنفسه طريقة تليق بحجمه في التكاثر، طريقة تكون اكبر من مجرد بيضة صغيرة، استمر الديناصور على تلك الطريقة حتى انقرض، ذلك ما يظنه البشر!! ، متناسين أن  الانسان هو الديناصور الحقيقي على هذه الارض، الأنسان الضخم بنفسيته التي تقبل ان تفتك بكل شيء حتى تتملكه لحظة من الشعور بالزهو والغلو، شعور قد يكون زائفا لدرجة لامتناهية، لكنه مستعد ان يبيد الارض وما عليها للوصول إلى تلك اللحظة،  وبينما انقرض الديناصور لأن الطبيعة قررت ذلك، يحاول الأنسان ان يسبق الطبيعة في قراراتها، متخذا لنفسه كل الطرق الممكن للقضاء عليها، متناسيا إن الطبيعة إن ماتت سيكون موته محتوماً، وإن الديناصور لم يكن ضخما لدرجة كافية ليتغلب على تلك الحتمية، فما بال الأنسان الذي يحط من قدرة الطبيعة  وبأبشع الطرق؛
اين هي الممرضة بعد كل هذا الحديث، صدقوني حين اقول اني لم اعد اتذكر اسمها،  لكنها كانت تسبب لي خفقان سريع في القلب كلما اقتربت مني، كانت تدفعني للاحمرار والخجل، مع انها كانت تتعامل معي كلعبة خشبية، وذلك شيء لم افهمه، كيف كانت مجردة من المشاعر لدرجة لاتفهم كيف تنظر لأنسان ممدد امامها على السرير وكأنه بقايا من قطع قماش، او جزء من سرير المستشفى برائحة الكحول، بينما انا كانت تتحرك كلا خلايا جسدي حين تقترب مني، كيف كانت حتى الاجزاء المكسرة من جسدي تتحرك وكأنها عادت إلى طبيعتها، تلك الممرضة، علمتني كيف تستطيع ان تفصل بين المرأة الممرضة، والمرأة الانسان، كانت ماهرة في أداء عملها، تتحرك بسرعة، تتقن عملها، كروبوت ألي، تعيد نفس الحركات كلما دخلت إلى الغرفة، رغم انه صرح لي الأطباء اني استطيع ان اغادر المستشفى وأتابع علاجي بالمنزل ، لكني فضلت البقاء في تلك المستشفى، قلت لهم انني سأدفع التكاليف لا يهم الفترة التي سيستغرقه العلاج، كنت اضحك من حالتي تلك، فأنا محطم لا استطيع الحركة، ومع ذلك أود البقاء بالقرب من تلك الممرضة، التي كانت تجيد تضميد الجراح كما تجيد صنع اكبر الجراح فيمن يتجرأ على ان يقع في حبها,
سألتها يوما، اليس في حياتك شخص مميز؟ فلم ترد على سؤالي،  عاودت السؤال اكثر من مرة، حاولت ان اصطنع الاحاديث معها، كانت تتصرف بدون مبالاة بأسئلتي، حتى انها لاتبتسم، يوما قلت لها إني اتعجب من جمالها رغم روحها الصامتة، جمال صامت، يجيد الحركة لكنه لايجيد الكلام، كنت احاول جاهدا جعلها تتحدث بكلمات غير تعليمات الطبيب، وموعد تنظيف الغرفة، لاتستطيع ان تستشف الحزن كما لاترى الفرح في عينيها، حتى اني قلت لها يوما، اني أظن انهم استبدلوا البشر بممرضات أليات في المستشفى،  فلم ترد ايضا، لم اكن امل ان احصل على ابتسامة منها، كان لدي فضول كبير في ان اعرف كيف تصنع ذلك التأثير في داخلي، رغم جمود محياها، كيف تجعل من نبضات قلبي تزداد كلما اقتربت مني، دون حتى ان تنظر في عيني، أليست تلك حالة تثير الفضول، يوما غابت، وحضرت ممرضة بديلة، فسألتها عنها، فقالت انها في إجازة، حاولت ان احصل على اي معلومات مفيدة من زميلتها، لكنها قالت انه لا احد يعرف عنها الكثير، إنها صامتة كثيرا، 
نعم كان تعبير صامتة كثيرا، يصفها بشكل كافي، عادت في يومها التالي، ولم تكن في حالة تختلف عما سبق لي معرفته عنها، سألتها عن احوالها، وتمنيت ان يكون سبب الاجازة خيرا، فشكرت اهتمامي وقالت انها كان بحاجة ليوم راحة ليس أكثر، 
- كم يدفعون لك في هذه المستشفى، سألتها ولا ادري يومها وانا في حالة استياء، 
- ليس كثيرا، هذا ما ردت علي به، 
- هل تقبلين العمل معي؟ سأعينك كمساعدة لي؟ وقبل ان تنظر إلي، سارعت بالقول، سأدفع لك الراتب الذي ترغبين به، وسيكون الدوام بالشكل الذي تحددينه، 
- وماهو نوع العمل الذي تعمل، 
- انا تاجر، املك الكثير من المشاريع التجارية، 
- لكني لا افهم في امور التجارة، انا لا اجيد سوى التمريض، 
- ليس مهما، ستتعلمين، قلت ذلك وانا اتمنى ان تقبل بعرضي ذلك، 
- لا اظن، شكرا لك!! 
كانت تلك كلماتها الاخيرة، تركتني في حالة استغراب، في شعور يملئه الفراغ، لم استطع ان افهم تلك الممرضة، ولم استطع ان اكشف كل ذلك الغموض والصمت الذي كانت عليه، تركتني حائرا، ومضت، وقررت يومها ان اغادر المستشفى وخاصة اني كنت قد تحسن لدرجة كبيرة، وعدت قادرا على الحركة والسير بشكل شبه طبيعي، 


No comments:

Post a Comment