Monday, October 8, 2012

---- 17 ---



الثقة بالنفس  هو نصف السر الذي تعلمته منك ايتها الجنية أما النصف الأخر هو ألا تخسر ثقة الاخرون فيك، كان ذلك طريق الثقة بيني وبين المرأة، المرأة لاتحب المخادعين وهي تكره من يخونون ثقتها او يخيبون ظنها، فعليك دوما ان تقف مفكرا قبل ان تتقدم في خطواتك باتجاه امرأة تجد فيها شخص اخر تحتاج إلى ان تبني جسوراً بينك وبينها،  حتى حين تفكر بالتراجع بعيدا محطما تلك الجسور، عليك ألا تترك لثقتها بك ان تنهار، عليك ان تنسحب  مفككا تلك الجسور دون تحطيمها و تذكر أن فقدان تلك المشاعر سيرافقك في حياتك كلما تركتك امرأة وحيداً. كانت تلك كلها افكار مثالية، عن امرأة مثالية ورجل مثالي في ظروف اكثر مثالية من الاثنين، ولابد اني اعدت التفكير بهذه القضية عشرات بل مئات المرات، ليس هناك من جذور لقضية الثقة تستطيع ان تبني عليها موقف ثابت ومحدد، إنها قضية غير قابلة للتعاطي معها من زاوية واحدة مثل كل بقية الاشكاليات الاخلاقية،
دعد!! امرأة جديدة تدخل مسار حياتي، اعلم ذلك جيدا عندما تبدأ الافكار تسير في عروقي وتدور في تلافيف  دماغي، وكل ذلك حدث  بعد ان التقيت بها، ، لم اكن اخشى من التقرب من دعد بقدر ما اكنت اخشى ان يفقدني ذلك ثقة صبّا بي، فنحن غالبا ما نسامح ونغفر في كثير من الاحيان لمن أخطأ في حقنا، لكن سيكون من الصعب ان نفعل المثل لمن اخطأ في حق أحد أفراد عائلتنا، فنحن نملك ان نتنازل عن حقنا، لكننا لا نملك التنازل عن حقوق الاشخاص من حولنا، تلك القضية زادت من تعقيدات الامر، فأنا لا أملك هدفا، لست ابحث عن امرأة احبها بعد ان أحببت صبّا، لكني ابحث عن امرأة شريك لي، استطيع ان اشاركها أفكاري وتشاركني أفكارها، فقد مللت جنيتي الصامتة لعهود، المتمكنة من السيطرة على حياتي بقدرتها على التحكم، كنت أريد امرأة لا نملك معا سوى بعضنا البعض، بحيث يمكن لنا أن نعيد ترتيب اولياتنا في الحياة دون قدرات الجنية والجن، دون ان يكون هناك شيء معروف، ان نكتشف الغموض معا، وان نستمتع بالوضوح بعد كل انكشاف لسر من اسرار الحياة امامنا،
كانت دعد تشكل تلك الفرصة امامي، فرصة الاقتراب من امرأة تعطيك من الثقة بقدر ما تأخذ منك، الند للند، امرأة مثل دعد، ستكون مفتاح لحياة لا تكون فيها المرأة الملاك، كما لا تكون المرأة مجرد امرأة، كانت حالة بينهما، المرأة الصديقة، كلماتي هذه اضحكت الجنية يومها، كانت تعرف اني مذ تعرفت عليها لا ازال ابحث عن امرأة تشبهها، كانت تعلم تلك الجنية الداهية اني خاضع تماماً لتلك الهالة التي تنبثق عنها، امرأة مثالية ليست موجودة حين نضع الشروط، لكن كل نساء العالم يصبحن  متوفرات حين نخفي الافكار المسبقة وكل تلك الشروط التي نضعها.
وكان يوم اخر التقيت به بدعد، في منزل صبّا، وكان حديث طويل حول الحياة والناس، الرجال، النساء، وكل ما يمكن ان نتحدث عنه، وعندما قررت دعد المغادرة، طلبت منها ان تعطيني رقم هاتفها، كنت اعرف انها ستعطيني الرقم ولن تسألني اي سؤال، ولكنها نظرات صبّا الموجهة إلي مباشرة، جعلتني اضيف على طلبي عدة كلمات فيها بعض المجاملة، جعلت دعد تضحك على تلك ا لكلمات التي شعرت باني قلتها لأخفف من وطأة نظرات اختها حينذاك؛
لم اتردد بالاتصال بدعد، ولم اتردد بدعوتها للخروج، ولكنها صدمتني برفضها لدعواتي تلك، بكل لباقة، حاولت عدة مرات، وفي كل مرة كان الجواب مهذبا ولكن رافضاً، لم تتكن تتحجج بشيء، ولم تكن تدعّي اشياء، كانت ترفض ببساطة، وتقف عند كلمات الرفض دون اي اضافات، ولا تتواني ان تكمل الحديث بسؤالي عن احوالي وعن احوال الاعمال والاشغال، وقد يطول حديثنا الهاتفي احيانا لساعة او اكثر، ونحن نتحدث في امور شتى، لكن ليس اكثر ولا اقل؛
دعد ايتها الجنية كانت الدرس أخر تعلمت منه الكثير، دعد!، شكلت نقطة تحول جديدة في طريقة تفكيري حينذاك، وعلى يدها تعلمت إن المرأة كائن متفرد، كائن لا يشبه حتى نفسه،  دائما يفاجئك بغير ما تتوقع منه، يمشي على طريق لايمكن لك ان تتخيله، ولكنه يغريك بالمشي إلى جانبه، ومع كل خطوة تعيد التفكير في لحظة قبولك عبور ذلك ا لطريق، وتصبح كأعمى يمشي وراء طفل امسك بيده ليعبر به جسر ضيق فوق نهر مسرع بأمواجه!
دعد، اتصلت بي في ذلك اليوم، وقال انها تود رؤيتي، طرت يومها مسرعا، تركت كل الاشياء من حولي وانطلقت، كانت تجلس وحدها في المنزل، وإلى جانبها كان هناك مجموعة من اوراق الشدة وبعض الكتب القديمة، فضحكت متسائلا هل تفتحين الفال او تبصرين باستخدام أوراق الشدة، فردت ضاحكة، لا، كنت اتسلى قليلا مع الأولاد، لكنهم ذهبوا ليؤدوا واجباتهم المدرسية،
دعد، كم مرة ذكرت ذلك الاسم امامك ايتها الجنية، كنت اعتقد انك ستكرهين ذلك الاسم لكثرة ما رددته على مسامعك، ولكن تبين لي ان في ذلك الاسم سعادة لك، سعادة سأكتشفها في ذلك اللقاء الذي جمعنا، ولم اعرف منذ البداية لماذا اتصلت بي دعد، كثير من الافكار والخواطر مرت في رأسي ولكني صدمت حين بدأت حديثها دون تردد، كنت اظن اننا، "هي وانا" سنكون محور حديثنا، لكنها فاجأتني بطلب لم اكن اتوقعه، حين طلبت مني ان اغادر حياة اختها صبّا، قالت تلك الكلمات وتركتني اتصبب في عرقي، و أقف عاجزا  امام كلماتها، مرت لحظات قبل أن أنظر إلى عينيها، وأعرف انها كانت تعني كل كلمة قالتها، كانت عيونها تقول مالم تقله بكلماتها، كانت نظراتها تفضح كل مشاعري التي اخفيها لأختها، وتفضح كل محاولاتي البقاء بقربها، لم اتردد بسؤالها عن صبّا ومدى معرفة صبّا بهذا الكلام، فعادت للحديث بطريقتها الجريئة الواثقة، اختي تعرف ماتكن لها، ليس هناك امرأة يخفى عليها من يحمل لها مشاعر الحب، كيف وإن كانت تلك المشاعر اكبر من ان تخفى، صبّا، عانت كثيرا بسببك، قالت لي تلك الجملة ولم تنتظر مني ان أرد بشيء، قالت، إن صبّا مثل كل نساء العالم، تحب ان يحبها الرجال، وكانت مستعدة ان تفعل اي شيء لمن يقدم لها حباً يستحق التضحية بحياة كاملة، وإنها كانت عاجزة عن التصرف ازاء تلك المشاعر، كانت تعتبرك نقمة اكثر منك نعمة، فلم يكن هناك سبب يمنحها رفضك، كما لم تقدم انت لها سبب لتتخذ موقف محدد من وجودك في حياتها، تلك حالة لا تُشعر احدا بالسعادة، بل انها قد تحول السعادة إلى نقمة وبؤس!
دعد قالتها لي، نعم بؤس، انا بائس،  تلك حقيقة كنت اظن اني وحدي اعرفها، ولكن  دعد اظهرت  لي  جهلي وعدم معرفتي بالنساء، وقلة خبرتي بمقدرتهن على كشف ذلك البؤس المغطى بنبل لا يضر ولا ينفع،
لم اكن اعرف ما ارد، او لنقل لم يكن هناك من رد، سألتها يومها: ولهذا كنت ترفضين دعواتي لك، كنت تعرفين أني رجل بائس!! مفقود الأمل منه؟، نظرت إلى وجهي المغطى بحبات العرق، واجابتني، بأنه لا سبب محدد وراء رفضها لي، وصفتني يومها بالرجل الصديق، الذي تقدر صدقاته، ولكنها لا تبحث عن صداقة رجل، قالت انها كانت تحب زوجها، الذي طردته حتى تبقي على الذكرى الجميلة من حبهما قبل ان تقتل المشاكل بينهما تلك الذكريات، لم تكن بحاجة لرجل صديق، وإن ندر وجودهم، ولا تشعر برغبة في وجودهم في حياتها، كانت تتحدث ببرود اعصاب لم اشهد مثلها مثيل في امرأة، حاولت ان اقابله ببرودة اعصاب، لكن برودة اعصاب المهزوم الذي وضع كل رهانه على حصان واحد، وها هو يخسر كل شيء، ربما لم يكن يكفيه ان يقامر، كان عليه ان يجري في الحلبة إلى جانب الحصان، ليشجعه على الجري اكثر مما فعل في ذلك الميدان،
بقيت صامتاً لفترة وجيزة، لم اتحدث بأي كلمة، ثم بدأت اجمع اشلائي مقررا المغادرة، فبادرتني بالسؤال من الجديد، عما سأفعله، قلت لها كأي فارس مهزوم في معركة، لم تكن معركته، ولكنه اختار ان يخضوها حتى النهاية، سأغادر، بعيدا، لم اخطئ بحق احد، وليس من داعي لأعتذر من احد، انا البائس دائما، لن اكون سببا في بؤس الاخرين، هذا شيء عملت عليه طوال حياتي، هناك دوما سيكون لي حياة جديدة اعيشها اينما ذهبت، لن اقبل ان انشر بؤسي على من احب، ولن يكون هناك اي عذر لي لو فعلت،
يومها رجعت إليك ايتها الجنية الداهية، كنت اخشى نظرات الشماتة في عينيك، لكني يومها رأيت قلبك يعكس رأفة بحالتي على وجهك، ولكنه لم يكن اقل برودة من وجه دعد، لم يكن هناك تردد في نظراتك، كنت تعرفين نهايات الامور، يومها صرخت بوجهك، قلت لك كان الدرس صعبا، كان يمكن ان تخبريني عنه، دون ان امر في تلك ا لتجربة المذلة، الحب الذي لا أمل فيه، مذلة لا يكتوي بنارها غير المحبين، سأرحل بعيدا، سأرحل عنك، ايتها الجنية، وعن كل ما حولي، لا أدري إلى أين سـيأخذني قدري، ولكني اعلم ان هناك ستكون لي حياة جديدة، سيكون من الصعب ان يعبث بها احد، سأتعلم من كل تجاربي ان اعيش حياة اكثر سعادة واقل بؤسا، لن اتوانى عن البحث عن السعادة في ثقوب صخرة بركانية إن وجدتها في طريقي!

No comments:

Post a Comment