Monday, October 8, 2012

--- 10 ---

 شقاء هو معرفة الحقيقة!!، فبعد هجران جميلة لي، عدتِ تتألقين في حياتي من جديد، وتسطعين بابتسامتك، في دهاء لم أكن لأفضل أن أحصل على شيء بديل له في حياتي، كيف يحب القط خناقه؟، ذلك مثل ينطبق علينا، انا وأنت، في حالة من الفرح استقبلتك، فرح جعلني انسى جميلة، كأنها لم تكن، وكأنك لم تختفي، ابداً،
 طفت يومها في انحاء المنزل محدثا اياك عن كل ماتراكم في رأسي من اخبار وحكايات، رددت عليك الكثير من القصص، والتي علمت من نظراتك إني اخبرتك بها سابقا، لم أكن أهتم، الحديث معك كان متعة تفوق الوصف، وأنى لي أن أميز بين قديم القصص وجديدها، ما اخبرتك به وما لم اخبرك به!! كانت زحمة الافكار تطفو على سطح رأسي، الأفكار التي كانت غابت مع غيابك عادت لتشعل نار لساني الذي كان توقف ولفترة طويلة عن الكلام، فالكلام إليك سر من اسرار سعادتي، كنت تعرفين ذلك، وكنت تمتعضين لو كان حديثي مملاً، لكن لم تتوقفي يوما عن الاستماع، تشيحين بوجهك عني كلما كان حديثي مملا وبلا نتيجة، كل هذا كان فيما سبق، لكن بعد جميلة كان هناك شيء لم افهمه في ردود أفعالك كلما تحدثت عن الجسد، عن الحب، عن العلاقات، كنت تعرفين اني اتحدث عن شيء قمت بتجربته، وإنه لم يعد مجرد خواطر تجتاز رأسي، تعرفين إني سقطت في بئر البشرية السحيق، وإنه لن يتسنى لي من بعدها الخروج منه وإن المخرج الوحيد لي هو الارتطام بقاع تلك البئر!!!
 هل كنت تظنين ان وجودك في حياتي سيحصنني من الوقوع في شرك البشرية، والانسانية، هل فكرت ولو لمرة واحدة، بأني من فصيلة البشر وإني في يوم ما سأكبر وستظهر علي علائم البشر، سأحب وأكره، وقد أخون وأصدق، تلك الجينات ستظهر في يوم ما، كما يعود الذئب الذي تربى في المنزل وهو صغير، ليكون ذئباً عندما يكبر، وإنه لن يكون كلبا وفيا في يوم من الايام، وإن منحته العائلة كل العناية والاهتمام، وبالمناسبة سأخبرك بأني ربما تمنيت أن اكون ذئبا، اكثر مما تمنيت أن أكون من فصيلة البشر، فحتى الذئاب لديها مقدرة على ادراك طريقة حياتها أفضل منا نحن البشر، الذئاب تملك من القوانين اشد واقسى من ان تترك لظرف ما ان يحطم عالما فنت دهورا في بنائه، على عكسنا نحن البشر، لن نتوانى في ايجاد كل السبل لتغيير تلك العوالم التي بذلنا الكثير للوصول إليها، نحن البشر فقط نتميز بتلك المقدرة الفتاكة على هدر الوقت في بناء صروح عالية ننشد لها الألحان في استعراض جنائزي بينما نقوم بتحطيمها بكل ما اوتينا من قوة، ستكون دوما حياتنا في مسار دائرة البناء والهدم، في عملية لاطائل منها في البحث عن الجنة التي خسرناها يوما، ولن نكتشف مهما بنينا ما سيعوضنا عن تلك الخسارة،
 وإن يكن وجودك في حياتي ايتها الجنية هو الدليل الوحيد المتبقي لي من علائم الجنة، فما الذي يعطيك الثقة بأني لن اتخلى عنك يوما، فأنت تعملين بلا شك، إن الانسان أدم قد تخلى عن الجنة يوما، وإن حواء كانت السبب في تخليه ذلك، فلم تشكين بأني سأتخلى عنك يوما لأجل حواء، وها انت رأيت كيف فعلتها مرة، حين سعيت إلى جميلة، وتركتك تذهبين، هل كنت تعرفين أن جميلة مجرد نزوة، وبأني سأعود إليك تائبا، متوسلا، هذا شيء اعترف به، ولا انكره، ولكن الذي لم يكن في حسبانك هو أني اكتشفت جذوري هناك، اكتشفت أدم بداخلي، بين يدي جميلة اكتشفت أبعاد جديدة للإنسان لم يكن لي ان اكتشفها بدونها، اكتشف شعورا، أعادني لأدم في الجنة، وكنت سأعيد قطف التفاحة لو طلبت مني جميلة قطفها، كنت سأعيد الحكاية من جديد، كيف لا وأنا ابن ادم، وسأضيف على ذلك بأني ابنه البار، ولن أحيد عن جيناته التي ورثني اياها، لأن ذلك خياراً ليس متاح لي على ما يبدو.

 شيء اخير تعلمته من جميلة، أود أن اذكره على مسامعك، جميلة العاهرة، جميلة التي كانت تميز العهر جيداً، بشكل ادهشني دوما، فهي كانت تملك وضوح الرؤية في فهم العهر واشكاله، والمقدرة على تميز العهر والعاهرين، كانت تغلق التلفزيون احيانا على نشرات الاخبار وتصيح اولاد العاهرة، او تغلق الهاتف وهي تحدث احدهم مكملة الحديث ومرددة لنفسها "ابن العاهرة"، العهر في مفهومها يشمل كل نواحي الحياة، في كل مكان هناك عهر وعاهرين، العهر هو اسلوب وطريقة حياة، لن يقتصر عليها، بل إنها كانت تعلن دوما إنها عاهرة شريفة، لأنها لاترضى ماتفعله في نفسها لبقية البشر، أليس العهر هو ان تتمنى لغيرك الأسوأ وأن يحصل على أسوأ كوابيسك؟ وأن تعمل على ان يحصل عليه بينما انت تدعي عكس ذلك!!

جميلة كانت صفحة لن تطوى من حياتي، فها انا الأن احدثكم عنها، كأنها باقية في دمي، أو لنقل أني بقيت في دمها، بقيت جزءا منها كما بقيت جزءا مني، وهو شيء اكتشفته بعد سنين، حين ألتقيت بجميلة وهي تمسك بيد طفل جميل في الشارع، رأيت فيه صورتي صغيرا، شعرت بأني اعرفه، لكن نظرة غريبة صدرت عنها في ذلك اللقاء، منعتني حتى في أن أسألها عن ذلك الطفل، وكأنها تقول لي: "إياك حتى أن تفكر في سؤالي"، وستكون لذلك الطفل قصة، سأسردها عليكم، في وقتها،

......11 ....


No comments:

Post a Comment