Monday, October 8, 2012

--- 8 ---

مسكينة هي جميلة، ولتبعدوا افكار الشفقة من كلامي هذا، مسكينة لأنها وقعت في حب بائس مثلي، هرب من جنيته لأحضانها، لكنه لم تمضي ايام قليلة حتى عاد يفكر بتلك الجنية التي غادرته حتى دون ان تومئ له بإشارة وداع، لقد غادرت ايتها الجنية وانت تعلمين كم انا مدمن عليك، مدمن على رؤية وجهك الشفاف كمن يدمن شرب الماء، غادرتني وكأنك تعلمين إني سأكون بلاحياة من دونك، ستتشقق أرضي وتجف أوراقي، ستتصحر افكاري، سأكون بدن نفع، ولن تعود لي في الحياة رغبة، تلك حالة لم تفهمها المسكينة جميلة، ولن يكون بمقدرة أي كان أن يفهمها، كان من العبث ان اشرح لجميلة إني مصاب بمس من الجن، وإني لن اقدر على الاستمرار بالعيش إلى جانبها، وإنها لن تقدر على ان تخرجني من تلك الحالة التي أعيشها وإن منحتني كل متعة تقدر على منحها، فلم تكن القضية مرتبطة بالشعور والمتعة وحتى الحب لن يكون قادرا على فك تلك القيود التي ربطتني بك ايتها الجنية، كنت تعلمين ان ذهابي بعيدا في طلب الحرية والابتعاد عنك لن يزيدني سوى خضوعا لك، كنت تريدينني ان اجرب لوعة الابتعاد عنك، وتركتني اصرخ صرخة الحرية والانعتاق منك غير عابئة، وها أنذا يوم بعد يوم أعود لأسأل نفسي ذلك السؤال، الأزلي!، هل تستحق الحرية ما نخسره في مقابلها، أحيانا اعيد السؤال بأكثر من صيغة، محاولا إيجاد رؤية اوضح لحالتي تلك، فأعيد تشكيل المعادلة لأقول، هل كان يجب ان تكوني الضد الاخر لحريتي؟ ألم يكن هناك طريقة ما لتكوني في حياتي بدون ان اخسر تلك الحرية التي منحتني اياها الطبيعة؟، أليس من حقي ان ا كون في مشيئة الطبيعة، كما تكونين في حياتي؟

جميلة كانت تقول لي اشياء لم تقوليها انت، وتفعل من اجلي اكثر مما يتخيل لك ان تتخيلي ايتها الجنية، كانت من بشر، من لحم ودم، حتى إنها كانت تشعر بالخجل احياناً، نعم بالخجل، كانت تعيش حالة من الانسجام بين انسانيتها وحياتها، لم تكن بائسة مثلي، تعرف ما تريد، يضحكني الكثير من تصرفاتها، تناقضاتها، فقدانها للكمات المناسبة كان كثيرا ما ينهي احاديثنا بالضحك، تحمر خجلا، وتقول "انت تضحك علي، لأنك متعلم، وأنا جاهلة، أنت شاطر في الكلام!"، نعم، انا شاطر بالكلام يا جميلة، لكنك لست بجاهلة، فكل ما تعلمته لايجعل مني سوى جاهل أخرق بين يديك، أو بين يدي أي امرأة مهما تدنى مستوى علمها"، نعم كانت جميلة محقة بشأني، كنت اجيد الكثير من الكلام، الكلام حتى مالانهاية، أليست تلك موهبة طورتها على يديك ايتها الجنية الخرساء، الست انت من كان يستمع لأحاديثي الخرقاء ليل نهار، بدون ملل، حتى كنت اعتقد انني اقول شيئا مفيدا، او مسليلاً، لم افهم يوما قدرتك على الاستماع، أخشى يوما ما بأني سأكتشف انك لست خرساء فقط، وربما انت جنية صماء أيضاً، فغالبا الصم لايمكن لهم تعلم الكلام، فيصبحون صم وبكم، أي غبي انا لو كانت تلك حالة ممكنة، وأي لعنة انت، جنية لاتسمع ولاتتكلم، صماء بكماء!!!!، لكنك جنية قادرة على أن تجعلني أحمق، أحمق من أمضى سنين من عمره يتحدث لجنية لاتسمع، ولا تتحدث! لا أدري لو كانت المقدرة بجعلي أحمق تثير غضبي بقدر ما تعزيني، فلم تكوني جنية عادية، كنت تملكين سحرا، سحرا لم تستخدميه، وكان يكفي ان اكون خاضعا لسحرك، ليكون كل ما تبقى بين يديك.

 ما ذنبها جميلة!!، جميلة التي كانت تعتبرني كنزها الذي وجدته ولن تشارك احدا به، وكانت تقوم بعمل كل ماتراءى لها انه سيحفظ لها كنزها، ولا أخفيك انها، في لحظات ما، كانت تقدر ان تبث النور في داخلي، وكانت تصرخ كالمجنونة احيانا كلما تراءى لها بريق لمعان في سواد عيوني، كانت مجنونة بي، بينما انا مجنون بجنية غافلتني وانسحبت، وجعلتني أعيش حالة من الضياع! كانت جميلة مثل اي امرأة، تدرك ان هناك من يشاركها رجلها، لم يكن يخفى عليها ان هناك في رأسي امرأة ثانية، ولم تتوانى ان تشاطرني تلك الافكار، وحتى إنها كانت في بعض الاحيان تسألني عنك، كانت تعتقد ان امرأة أجمل منها فقط ستسرقني من حياتها، او ربما أغنى، فالجمال والمال سببان مهمان لترك الرجل لأمرأته وإن كان يحبها، "الرجال ليس لهم أمان"، تلك عبارة كانت ترددها جميلة على مسمعي، وكانت دوما تقول ان مهنتها علمتها الكثير عن الرجال، وإنها كانت تقول لي دوما، أنها احبتني لأني لا اشبه أولئك الرجال، ولكن لم تمر فترة قصيرة حتى قالت لي إنها بدأت تشك بأن هناك رجل مختلف، رجل يمكن لها الثقة به، ولكنها لم تتخل عن أملها بأني لن أكون مثلهم، كانت لديها نظرة للرجال، ولا أدري لو أنها فقدت ثقتها بنظرتها تلك، مسكينة هي جميلة، فكيف لها ان تعرف، ان نظرتها للرجال لاتنطبق على رجل مثلي، رجل لايملك حياته، بل تملكها جنية، وفي حالة مثل تلك تسقط نظرية الرجل والمرأة وتبدأ حسابات لاتفيد معها خبرة جميلة، ولا حتى كل الجميلات، او القبيحات، إنه حيث تتعدى مقدرة امرأة على رؤية مافي رأس الرجل الذي أحبته، في حين يكون كل مافي رأسه هو صورة جنية، او ربما الجنية نفسها تقبع في تلافيف دماغه!!

--- 9 ----

No comments:

Post a Comment