Monday, October 8, 2012

--- 13 ---


كيف لم يخطر لي يومها أن "صبا"  كانت فخاً رسمتيه لي ايتها الجنية، كيف لم يكن يعبر خيالي أنه فقط جنية مثلك تقدر ان تصنع تلك الحالة العبثية من الشوق إلى المجهول، السير إلى البعد الذي لايمكن قياسه بالمقاييس التي اعتدنا عليها، صبا، كانت فكرتك ولاشك، كنت تريدين ان تصنعي مني مجرد مجنون اخر في عالم العشق، في عالم من الوهم لا يختفي قبل ان يقتل بالألم صاحبه، 

كيف لم ادرك يومها، إن "صبا"، كانت صورتك الانسانية ايتها الجنية العابثة، بل أكثر، كنت تعلمين كل ما يشدني، و يثيرني، ويعجبني بفتاة، لقد خنت تلك الصراحة التي اطلقتها عبر سنين وانا احدثك عن فتاة أحلامي، فصنعت لي فخا، ارسلت لي تلك الفتاة، صبا، وانتهى بي المطاف لأعيش كذبة لم اكن ادرك مقدار الذكاء في صنعها، تلك مصيدة لن  انساها ايتها الجنية التي حولت أيامي إلى ليالي طويلة من السهر، من السهاد، في محاولة يائسة في البحث عنها، لم أفهم حينها كيف اختفت، وفي زيارتي المتكررة إلى تلك الشركة لم أكن موفقا بالالتقاء بها، تجولت بين الموظفين اصطنعت الأحاديث معهم، متمنياً أن  اسمع صوتها من جديد، لكن عبثاً كانت كل محاولاتي، ولم اكن اتوقف عن اصطناع الاسباب لأقوم بالاتصال على ارقام تلك الشركة، على امل ان ترد على أتصالي يوما ما، مرت ايام واسابيع، إلى ان فقدت الامل،  ولكن شيئا خفياً، وسواساً، أمنية جعلتني أرغب في ان ألتقي بها وتبعد عني التخلي عن فكرة لقائها، والأن فقط ادرك سبب كل ذلك، أدرك ان سر كل ذلك كان بين يديك، كنت تتلاعبين بي بمهارة، تشدين خيوط مشاعري كلعبة معلقة بتلك الخيوط إلى أصابعك العابثة، كنت تجيدين ولاشك امساك خيوط قلبي المعلق بين يديك،

دعوني لا أدخلكم في تفاصيل العمل، وكيف سارت بي الامور مع تلك الشركة لأعقد معهم عدة عقود مهمة بهدف تنفيذها لصالحهم، فتلك قضية عملت جاهدا عليها، تنازلت عن الارباح وأكثر من ذلك تقدمت لهم بعروض تنفيذ مربحة لهم وكانت خاسرة بالنسبة لي، كل ذلك لأتمكن من الحصول على تلك العقود مع الشركة، كنت مجنونا بفكرة البقاء في بهو تلك الشركة وبين مكاتبها، تماديت في الحديث مع كل من هم في داخل المكاتب، كنت اتجول كل يوم في كل متر مربع من تلك المساحة التي صرت احفظها كاسمي، صرت معروفا من قبل الجميع، وبدا انهم يحبونني ويقدرون تفاني في العمل معهم، لم يدركوا سبب كل ذلك، ولكن لابأس، فالمهم اني موجود بينهم، استمع لأصواتهم، احاول مع كل كلمة اسمعها  استرجاع ذكرى ذلك الصوت الساحر الذي لم اكتشف صاحبته حتى ذلك الحين، ،

بعد كل تلك المحاولات الفاشلة لكي التقي صاحبة الصوت، بت أعلم انها ليست موظفة في تلك الشركة، وأن صدفة حديثي معها على الهاتف في ذلك اليوم، ولابد ان تكون مجرد، صدفة، وبدأت متيقنا أنها كانت هناك مجرد صدفة، أو أنها كانت مجرد زائرة لأحد الموظفين، وقامت بالرد على الهاتف من باب المزاح، او التعاون، كل تلك الافكار كانت تحزنني، وتزيد من حيرتي ويأسي، ولكنها لم تسقط الامل في لقائها يوما ما، إلى أن جاءتني دعوة في احد الايام إلى الشركة، من اجل الاحتفال بالانتهاء من تنفيذ احد العقود، والتي اعتبرتها الشركة انجاز كبير، بسبب السرعة في التنفيذ وانخفاض التكاليف،  نعم، بالتأكيد سأكون في الاحتفال، ذلك كان تأكيدي لمن احضر لي الدعوة، وكيف سأدع فرصة مثل تلك تفوتني، أو أفوت فرصة احتمال لقائي بها،

كان حفلا راقيا، ملئ بالنساء، نساء من مختلف الاعمار والأذواق!!، امضيت الحفل متنقلا بين نساء الحفل، ابتسم لهن، افتح احاديث بلا هدف، سوى ان استمع لأصواتهم، كادت الحفلة ان تنتهي، وانا في وسط حالة من اليأس من ايجادها، شعرت بخيبة امل، وبأني مجنون يبحث عن سراب، اردت ان انتهي من تلك المشاعر التي اصابتني، اقتربت من مدير الشركة وشكرته على حسن ضيافته معتذرا بأني متعب وسأغادر قبل نهاية الحفلة، مددت يدي مصافحا له، وقبل ان انقل يدي لأصافح زوجته الواقفة إلى جانبه، اكتشفت في تلك اللحظة انني لم اكن قد التقيتها من قبل،  حتى أني لم ألحظ متى جاءت إلى الحفل رغم جمالها الفتان، كيف كنت سأنتبه لجمالها وحواسي كلها في خدمة البحث عن امرأتي المفقودة!!
"سعدت بلقائك ياسيدتي" قلت عبارتي هذه وانا امد يدي نحوها، قبل ان تنطق عبارتها الاولى والأخيرة بالنسبة لي يومها، كان رد التحية منها، هو اخر شيء سمعته قبل ان يصيبني دوار لايمكن احتماله، وبدأت الأرض تدور من تحتي، ولم اعرف بعدها ما حدث، إلا حين استيقظت في اليوم التالي في غرفة تبين انها في احد المستشفيات،

لا أعلم ما الذي حدث، الدوار كان شديدا، وكنت متعب جدا، يبدو للوهلة الاولى ان هذا هو سبب سقوطي، كنت في حالة تشوش وارتباك، والكثير من الضياع، وكل ذلك جعل من صحتي تسوء، لكن حين استيقظت في المستشفى تذكرت اني لم اسقط إلا حين سمعت صوتها ثانية، سمعت صوت صبا، يرد علي تحية الوداع، كانت كلماتها شقت السماء ونزلت على رأسي كصاعقة، رأيت برقا حينها، اضاءت المكان من حولي بضياء افقدني القدرة على ا لنظر من حولي، وراحت كلماتها تطن في رأسي، كان ذلك الصوت اكثر مما احتمل، اكثر مما اتوقع، وأكثر مما انتظرت طويلا من اجله، لا استطيع ان أتخيل إن المرأة التي امضيت كل تلك الايام ابحث عنها، ستكون زوجة، وربما كانت أم،  كيف كان لعقلي المريض ان يتصور وضعا معقدا مثل ذلك، كيف يكون العقل ساذجا، سخيا بالخيالات الافتراضية لحالة لايمكن الوصول إليها في الحقيقة، إن ذلك الصوت النابع من بين شفاهها، دوى في رأسي مرة ثانية، كجرس كنيسة، لم يكن شديد القوة بقدر ماكان تذكيرا بالخطايا والفضائل التي نعيش تائهين بين حدودهما!!



No comments:

Post a Comment