Monday, October 8, 2012

--- 6 ---

 لعلمك كان ذلك يوم جنوني في حياتي، حين قررت أن أفعل الشيء الوحيد الذي عملت جاهدا وطويلا أن اتحاشاه، كي لا افقدك، كنت أعلم انك ستغادرين حين ستدخل اول امرأة حياتي، كانت تلك قضية اكتشفتها منذ أن رأيت نظراتك تجاه بنات الجيران اللواتي كن يقدمن احياناً لمنزلي، لم نكن سوى مجرد مراهقين، لكن في عينيك كانوا شيء أخر، ليسوا منافسين لك بالتأكيد، فمن أين لأولئك البسطاء أن يقارنوا بجنية مثلك، لم أفهمك صراحة ، لم يكن من السهل فهم تلك الخصلة من الغيرة عند النساء، مع العلم اني لم افهم كيف يمكن لجنية ان تصنف من ضمن النساء، وانت تدركين ان تلك الغيرة بداخلك جعلتني أبعد البنات عن منزلي، كما إنها أشعلت الغيرة في داخلي، أو لنسمه الخوف، من بقية الأولاد الذكور، لقد بدأت أخاف ان تتركيني إن أعجبك أحد هؤلاء الأولاد، كانت معضلة بالنسبة لي، تغارين من البنات، وأغار انا من الصبيان، هل كتب علي ان اعيش تلك الحالة التي تشبه حالة الازواج، الغيرة!! سريعا خرجت من متاهة الغيرة، وكان علي أن أتعلم أن الغيرة ليست سوى انعدام لثقتنا بنفسنا، أو انعدام لثقتنا بالطرف الأخر، إنها صورة تعكس خوفنا من الفقدان، فقدان ما نملك، وقد يكون الحب هو اغلى ما نملك في الحياة، تلك التجربة، لن انساها، كما لا ينسى طفل لحظة تعلم ركوب الدراجة، لحظة يخلق توازنه بنفسه، فيصبح حراً ، قادرا على الحركة بدون ان يخاف الوقوع، كان ذلك الدرس الذي علمتني اياه، كلفني خسارة صداقتي لأولاد حارتنا، اصدقاء المدرسة، أبعدتهم جميعاً عنك، بكل ما استطعت من قوة، وبالنهاية تبين أني أبعدهم عني، عني أنا، فأنت لست مرئية بالنسبة لهم، لست سوى جنية شفافة، قادرة على إغاظتي، لكنهم ليسوا قادرين على ذلك، خسرتهم لأكسبك، ولازلت اقدر الدرس الذي تعلمته باكرا، تعلمت أن لا اضحي بالكل مقابل الواحد، فلا الواحد يكفي ولا الكل قابل للخسارة، كان علي أن أوقف الغيرة من داخلي، أوقفها كي اقلل خساراتي التي قد تأتي فيما بعد! 

هكذا انت، جنية!!! جنية استطاعت أن تنزع الغيرة من قلبي، كنت فرحا بذلك، نعم، شكرتك يومها ولا بد اني كنت اقدر لك ذلك الصنيع، كنت مقتنعا بأن البشر بحاجة للقضاء على الكثير من المشاعر والاحاسيس في شخصيتهم، على البشر ان يتطوروا ليكونوا في مصافي الآلهة، ذلك حلم كنت افكر به، كلما نظرت إلى عينيك، فطالما انك موجودة فلابد من طريقة لصنع من هم مثلك، لست انت فريدة من نوعك، إن البشر ليسوا أقل مقدرة من الجن، هكذا كانت الافكار تنساب دوما، لقد كان لديك طريقة فذة في دفع الافكار إلى رأسي، قد تكون عبارة " كنت ملهمة لي" هي الوصف الأدق لتلك الحالة التي كانت تجتاحني ساعات وساعات، لم تكن الافكار مجردة، كان يسهل ان يعاد تشكيلي مع تلك الافكار، صدقيني إن فكرة مثل الغيرة اختفت من حياتي، وتحولت إلى ذلك الشخص الذي يتعامى عن رؤية تلك الناحية من البشر، شخص وهب الثقة لكل من تعامل معه ثقة عمياء، تعلمت أن اقول للأخر أنك افضل ما حصل لي إلى أن يثبت العكس، لكنك بالتأكيد كنت على علم بما سألاقيه، كنت تعلمين كم هو عجيب أمر البشر، لا يتقبلون تلك الثقة، البشر لا يؤمنون بالإخلاص، كان لابد لمئات الانبياء ان يقدموا من السماء إلى هذه الارض ليعلنوا ان الاخلاص هو طريق الخلاص، ومن سخرية القدر أنه كان عليهم ان يموتوا بغدر على يد من أتبعوهم في كثير من الاحيان.

 أعرف أنك كنت غاضبة مني، كنت بحاجة للتحرر منك، وكيف يتحرر الانسان من قيوده بدون أن يحطمها، القيود لا تنزع بسهولة ، لا تنزع، على الانسان ان يحطمها، وعليه ان يحطمها بنفسه، لن يكون هناك من يحطمها له، ولا تختلف الطريقة مهما اختلفت القيود، على كل انسان ان يحارب قيوده الخاصة، الخوف، الفقر، الجهل، كلها قيود، وليس قيد الخضوع لامرأة متسلطة أقل هولاً من قيود حاكم ظالم، كنت بحاجة لأتحرر منك، لأنطلق في عالم اكثر انسانية وبشرية، أعلم أنك سخرت مني، لأني اخترت العالم السفلي بالنسبة لك، فضلت الادنى على الاسمى، لكن شعورا قاتلا كان يشدني إلى ذلك العالم البعيد عنك، لم يكن يهمني ماهو، بقدر ماكان يعني الابتعاد عنك، كنت اسعى بكل طاقتي للانغماس في كل ما يبعدني عن الكمال، عن الصورة النقية التي تظهرني شفافا امام مرآة، كنت أريد أن أرى لطخات من الانسانية وعارها على وجهي، وأين يكمن العار بالنسبة لي وانا لم اتجاوز الثامنة عشرة من عمري، أين يكمن العار في هذا المجتمع، الذي تعد الرجولة اساس نبله، بينما تختبئ نساؤه خوفاُ عليهن من قصص العار القبيحة التي يتداولها الرجال طوال الوقت، لم يكن صعبا أن أجد العار هنا، العار موجود خلف كل البيوت، لكنه يدعون أنه محمي بنبل الرجولة، قضية العار، والشرف، ستكون محور سنين عشتها، بين احضان تلك العاهرة، ولا أقول "عاهرة" بالمعنى الذي يتراءى للجميع عند ذكر تلك الكلمة، أني أقولها فقط لأصف ماكان عليه عملها، فالعهر هو حالة أبعد ما يكون عن ممارسة الجنس بهدف الحصول على المال، العهر هو ان تسمى من يمنحك المتعة الجنسية عاهرة، بينما انت تدفع لها مقابل ان تمنحك تلك المتعة، هي تأخذ مالك لتعيش، وانت تمنحها المال لتستمع، هي بحاجة مالك لتعيش وانت بحاجة ما تمنحك للمتعة، فتوقف عن وصفها بالعاهرة، وأبدأ بإظهار بعض الاحترام لما تقدمه لك من خدمات، فلا مجال للمقارنة بين من هو مستعد للنزول إلى ذلك الدرك الأسفل فقط من اجل لقمة العيش، بيمنا تنزل أنت إلى ذلك الدرك الاسفل من اجل متعتك، العهر له من كل باب أبواب، ومن كل فصل فصول، ولم تكن جميلة وهو اسمها، عاهرة، ولسوء حظها لم تكن جميلة ايضا، قالت لي يومها لو كانت جميلة كاسمها ربما لم تضطر للعمل في تلك المهنة، ضحكت يومها، وكانت اول مرة اضحك من حديث امرأة بدون سبب، بدون هدف، بدون مجاملة، يومها ذكرتني بكل الفقراء!! الفقراء، يسمحون لك الدخول إلى قلوبهم وروحهم دون استئذان، بسطاء، يلتحفون السماء كما يفترشون الارض، تلك هي جميلة، يومها عدت إلى المنزل، لأرى في المرآة تلك اللطخات التي تركتها جميلة على خدودي، وعلى شفتي، الكثير من البقع التي لم اعرف سببها، اعتقدت أن المرآة بحاجة إلى تنظيف يومها، كنت اهم بالبحث عن ما يفيد في تنظيفها، حين التفت حولي لأجد ان شيئا ما قد اختفى من غرفتي، لم تكن جنيتي بهالتها المعهودة في الغرفة، سنين مرت على وجودها وكانت تلك اول مرة افكر بأنه لم يكن لديها اسم، لم اكن اعرف اسمها، اردت أن أصرخ مناديا!! تلفتت حولي مثل المجانين، رفعت كل الاشياء من مكانها، غيرت مكان الكرسي ، الطاولة الصغيرة، قلبت اغطية السرير، كنت في حالة هستيرية، استفقت منها بعد ساعات، استفقت منها بحالة لم اكن أحسبها ستكون مريحة، كان لحظة من الشعور باختفاء ثقل كبير، إنه القيد، لقد انكسر القيد، انتهت تلك السنوات من وجود تلك الجنية في حياتي، في سيطرتها على كل نفس تنفسته، أصبحت حراً، حراً, أخيرا!!

--- 7 ----.

No comments:

Post a Comment