Monday, October 8, 2012

--- 7 ---

 يوم ألتقيت بجميلة، كان ذلك يوم فقدتك لأول مرة ايتها الجنية العزيزة، لا تبتسمين بخبث على كلمة "عزيزة"، فأنت تعلمين مقدار ما أعزك، نعم، لم يكن هروبي منك يومها كرها فيك، بقدر ماكان حبا في ان اعيش لحظة حرية، حرية اصنعها بنفسي، صحيح اني اعترف لك بأنك كنت السبب في الكثير من الاشياء السعيدة التي حدثت في حياتي، وانك كنت وراء الكثير مما تعلمته واستطعت بواسطته الغوص في اعماق سعادة لا توصف، لكن لا أخفيك ان تجربة الهرب إلى احضان عاهرة، كانت تستحق التجربة، ولم اكن يومها أعلم انك لن تكوني قادرة على البقاء في حال وجدت امرأة ثانية بحياتي، كنت فريدة من نوعك، ولا تقبلين ان يكون لك ند، تتمسكين بفردانيتك كما اتمسك انا بغبائي ككائن بشري، تسهل القرارات في حياتك كجنية تملك من الوقت والحكمة مايكفيها لتكون قادرة على التعاطي مع حالات لايمكن احصائها، بينما أنا البشري الهزيل، الذي تكلفه التجربة الكثير من ايام حياته، والأكثر من نفسه ومشاعره، البشري عليه ان يدفع كثيراً ليتعلم القليل، وفي تلك الحياة يكون مقدرا عليه ان يجرب، لا ان يعيش، وسيكون من المختصر ان نعرف حياة الانسان بمجموعة التجارب التي يخوضها، ولن يكون عليه ان يفكر بعدها بعيش تلك الحياة، إنه يجرب الحياة، لكنه لن يكون لديه ابدا الوقت الكافي لكي يحيا نتائج تلك التجارب التي تعلمها، ليست سعادته أو شقاءه في الحياة هو ما يهمني هنا، السعادة والشقاء هما الطبقة التي تغلف مجرى حياتنا وتصبغه كما تصبغ الألوان الأزهار والورود، لكنها حتما ليست كل الوردة، ولم تكن الزهرة يوماً مجرد ذلك اللون الزاهي، فستكون هناك حياة اخرى خلف لونها القوس قزحي، لا يخفى على من يبحث عنه بدأب وسيكتشف تلك المتعة التي تحيياها تلك الزهور الضئيلة في حجمها، والتي ستقول لك دوما: "أعبر الطريق بينما أنا سأبقى هنا دوما إلى جانب الطرقات، وسأعود لأَضيء لك الدرب مع بداية كل ربيع!" 

 أعرف انك تستمعين لي في دفاعي عن جميلة، وعن تلك الأوقات التي قضيتها معها، بينما تساورك تلك الأفكار حولي وكيف أني أستقتل في الدفاع عن نفسي خاطئا أو مصيباً، لا أتردد في سرد العبارات والجمل بطريقة تناسبني، كنت أعلم انك دوما ما تكشفين ألعابي الكلامية تلك، لكني كنت وفي كل مرة أحاول التغلب على نظراتك بالمزيد من المزايدات وإطلاق الحجج المقنعة في رأي وبخاصة لمن ليس لديه المقدرة الكافية على كشف خداعي، أمارس ألعابي الكلامية كساحر يمارس ألعاب الخفة، فقد كنت أسارع إلى رش الكلمات في خفة ودهاء، أتلاعب بالعبارات، اسرد بعض الاكاذيب وكأنها الحقائق المطلقة، لم اكن أنتظر أن تنطلي حيلي الكلامية عليك، فهذا مستحيل، لكني كنت انظر دوما في عينيك لأعرف هل استحقت تلك الخدع الجدلية إعجابك، كنت تبتسمين بفخر في بعض الاحيان عندما تشعرين بأني اتقدم في تعلم تلك المهارات، كانت تظهر على وجهك بشائر الفخر لمعلم ينظر بعينيه لتلميذه النجيب، بينما تجتاحني غبطة التلميذ الذي استحق تلك النظرات، لكن صدقيني في حديثي عن جميلة كانت هناك الكثير من الحقائق ولا داعي لأن أجمل الامور، لم تكن علاقة مثالية، وانت تعرفين إني لست من الذين يسعون لعلاقات مثالية كاملة، كيف لا وها أنا ذا الان اتحدث إلى جنية!!

 كيف اشرح لك؟، انت تعرفين!!، لا تحاولي الادعاء بعكس ذلك، تعرفين ان علاقتي بجميلة لم تكن علاقة بين رجل وامرأة، فلم اكن قد وصلت لتلك المرحلة من الرجولة، ولم تكن جميلة ستهب نفسها لرجل وإن تراءى لها أنها تحبه، لم تكن جميلة تنظر لي كما تنظر لكل الرجال وهو ما سمح بتقاربنا، فالرجال مصدر رزقها، وغثيانها، كانت تشكو دوما من إنها تحتاج لهم، تحتاج لمن تكره لكي تعيش وتلك حالة من التناقض لا يسهل التعايش معها، وقد كان علي ان استمع طويلا لتلك الاسطوانة منها، حتى إني ادركت إنها تعشق أولئك الرجال، فهي لا تستطيع ان تتوقف عن الحديث عنهم، ليل نهار، أليس هذه واحدة من اهم علامات الوقوع في الحب، أن يسيطر عليك من تحب طويلا وبدون انقطاع، وتشعر بحاجتك للحديث عنه لكل من يمر في طريقك، جميلة كانت تلك التجربة من الخوض في غمار الجزء الحيواني من البشر، الجزء الذي يخفيه المجتمع تحت ستار ، ولنقل مئات من الستائر، هناك في أعمق أعماق المجتمع يحاول الجميع اخفاء تلك الحالة الحيوانية الانسانية، من الحاجة للجنس وممارسته، مخالفين بذلك أعراف وتقاليد رسموها بأيديهم كي يخترقوها كل يوم وبدون هوادة، على ان تكون تلك الخروقات خلف الستائر، ستائر سميكة وبعدة طبقات احيانا، ولم يكن ذلك مفهوماً بالنسبة لي حينها، لكني تعلمت ان اتقبله، فتلك طريقة تعود الناس ان يعيشوا حياتهم فيها، لكن ما بقي خلافاً لا يحل ولم اكن اقدر على تقبله كيف كانت جميلة تصر على ان تخفي علاقتنا، نعم، تلك "العاهرة" كانت تخجل من علاقتنا، كنت اشكل لها وصمة عار في تاريخها المهني، ستضحكين بالطبع على تعبيري "تاريخها المهني"، كنت اضحك مثلك في البداية، حتى تبين لي إن القضية اعقد كثيرا مما نراها، قد تظنين ان مهنتها لاتشبه مهنة كالأطباء، صدقيني، إن الاطباء يقترفون من الاخطاء المهنية يوميا أكثر مما تسمح العاهرة لنفسها من ان ترتكب اخطاء في مصلحتها، فالأخطاء الطبية ليست واردة في مصلحتها، إنه عالم خفي، سري، يقبع خلف عالمنا ولا يستطيع ان يكون جزء منه، وعليه أن يحافظ على مكانته وخفاياه، فهي سر مهم من اسرار بقائه، ولاعجب ان ترتبط تلك المهنة بالعصابات ورجال المخابرات، في حين نقيمهم نحن على اساس أخلاقي متدني في سلسلة القيم الاخلاقية التي نضعها، ويبدو لي اننا نقلل من قيمتهم بهدف الترفع عن حاجتنا الملحة لتلك الرائحة التي تصدر عن المضاجعة وندعي بكل عنجهية انها رائحة نتنة تصدر عن عاهرة، متناسين إننا سنعود دوما طالبين المزيد من المضاجعات والمزيد من الروائح وإن تكن نتنة بعرفنا!! 

لم اكن في البداية أعلم ماهي حدود علاقتي بجميلة، ظننت أنها مجرد نزوة، نزوة شاب اراد ان يكتسح الحياة من بابها الأوسع، لكن المفاجأة كانت أكبر مما أتوقع، فجميلة علمتني عن النساء اشياء لايمكن ان اتعلمها من كل نساء العالم، وجعلتني أدمن السعادة في وجودها، كانت تحترف ألاعيب الصيد والإغواء، كما تحترف التهرب من مصيدة الرجال، كنت كمن يعيش في مدرسة معها، امارس التعلم اكثر مما امارس الجنس معها، وكانت اصعب الدروس تلك التي تضع الجسد في مكانه الصحيح، وتعيد خلق الارتباط بين الاشياء الحسية والنفسية، لتصنع شعورا مستمرا من الانسجام، شعورا بالرضى والقبول، لايمكن نزعهما من داخلي بسهولة، لا استطيع ان اصف لكم تلك القضية اكثر مما فعلت، هي حالة تعاش ولا توصف، فطوبى لمن كسب سعادته من بين انامل أمرأه تسعى لإسعاده!!


No comments:

Post a Comment