Monday, October 8, 2012

--- 4 ---


كل تلك السنين مرت، وها أنت تضحكين من جديد على حركاتي العبثية في حضورك المربك، كأنك تعلمين اني لم ازل ذلك الطفل المرتبك الذي لم يكبر يوما، أعرف انك قادرة على قراءة أفكاري، وأنه لا يمكنني ان اخفي عنك أنني بقدر ما تفاجئت لرؤيتك بقدر ما اجتاحني في نفس الوقت شعور بالقلق خشية ان تكوني رأيتِ صور زوجتي السابقة التي للمرة الأولى اشعر بالندم لحظتها لأني لم انزلها عن جدران البيت من قبل، تعرفين اني كنت اريد أن ازيل تلك الصور منذ انفصلنا ورحلت عني، ولكني لسبب لا اعرفه تركت تلك الصور!، قد يكون مجرد كسل، او مجرد رفض لفكرة بقائي وحيدا منذ زمن، أعلم انك ترين عيوني المتنقلة بينك وبين صورتها التي كانت تقبع خلفك تماماً، لكن ابتسامتك اشعرتني بفشل اي محاولة لإخفاء حالتي تلك، استسلمت أخيرا لفكرة عودتك، ولفكرة انك تعرفين بأني زوج سابق لزوجة سابقة لم تزل صورها في المكان! وربما ارتحت قليلا عندما تذكرت انك لست من النوع الذي يشمت بالأخرين، وأنك بالتأكيد ستجدين لي كل الاعذار لما آلت عليه حالتي، ابتسامتك لم تتغير!!، لازلت تنشرين الأمان في المكان حيث تحلين، لا أظنه من المنطقي ان اخفي عنك شيء مثل طلاقي، فأنت تعلمين اني فاشل في العلاقات الانسانية، ولربما يكون هذا واحد من أسباب تواجدك في حياتي، فأنا أنفع صديقا مخلصا لجنية، لكن البشر والعلاقة معهم كانت دوما قضية شائكة لم يسهل لي التعامل معها، ولعل وجودك في حياتي قد عوضني الكثير عنهم، لكنه لم يسهل علي التوصل إلى حل لتلك الاشكاليات،

 لا أشك بأنك تذكرين ذلك اليوم الذي عدت فيه لأحدثك عن تلك الفتاة التي أيقظت لأول مرة مشاعر الحب عندي، كيف لك ان تنسي ساعات وساعات وانا أقص عليك تفاصيل لا تنتهي عنها، رغم ان لقاءاتي اليومية بها لم تكن تتجاوز دقائق معدودة حين يتقاطع طريق مدرستي مع طريق مدرستها، قصص بالساعات مع أنه لو جمعت كل الدقائق التي رأيتها فيها ما كانت لتتجاوز نصف ساعة من الزمن، ولكنك تعرفين مقدرة الانسان ان يخلق من تلك الدقائق حياة كاملة يقصها ويتلوها ويعيدها كأنه يجتر الدقائق في حالة لانهائية ليصنع منها عمر كامل تملئه التفاصيل الدقيقة، أتذكرين حين عدت إلى البيت وانا أضحك بحالة هستيرية بسبب تلك الفتاة؟ ورغم انك كنت قادرة على قراءة افكاري حينها لكني اظن أنك عجزت عن فهم تلك الافكار، حاولت كثيراً أن اشرح لك اني سعيد حد الجنون، لأني رأيت يومها احد اصدقائي يتقدم باتجاهها ليقدم له وردة حمراء، فما كان منها إلا ان امسكت الوردة وداست عليها بقدمها الصغيرة ذات الحذاء المدرسي الاسود، يومها بدا لي ان ذلك الحذاء لا يزيد سوادا عن قلبها، ضحكت يومها لأني كنت افكر جديا ان اقدم لها وردة حمراء، وكانت تشغلني فكرة كيف سترد على وردتي تلك، وكيف ستبتسم لي، وكم من الوقت ستحتفظ بها قبل ان تجففها بدفتر من دفاترها المدرسية، لكن ذلك الصديق استبق خطوتي بشجاعة لم اكن املكها، ولا أظنه خسر تلك الشجاعة رغم أنها سحقت وردته الحمراء وجعلتها هباء منثوراً تحت قدمها، لم تكن الوردة هي التي تحطمت، كان قلب ذلك الفتى الشجاع اكثر مني، لم يكن الحب ومأساته هي ما تعلمته في ذلك اليوم، فلقد رأيت في عينيك دهشة من فكرتي التي لم ابح بها، لكني زرعتها في رأسي المليء بالأفكار الخائبة، "الشجعان يتلقون اول الضربات و أشدها قساوة!! "، لم تعلمني تلك الفتاة شيئا عن الحب، لكنها بالتأكيد علمتني اهم الدروس عن النفس البشرية المعقدة،

 أعرف انك تذكرين أني اخبرتك درسا اخر تعلمته عن الحب يومها، وأعرف أنه من الصعب ان تنسي مثلي تماما، تلك اللحظة التي توقفت فيها عن الضحك لأعلن لك: "إن الحب هو مصدر الحكمة في الكون!! ولكن سيكون عتياً حتى على الحكماء تفكيك طلاسمه!!"، ولابد أنك عرفتني اكثر من نفسي وعرفت أنني بدلا من اكتساب الحكمة تحولت تجربة الحب الأولى لدي إلى شعور بالفراغ واللامبالاة، كمن قرر ان القضية لا تعنيه، فأصبح في منأى عن الحب، ولنقل عن الحياة، فأنا كان لدي أنت، الجنية التي لن تغدر بي، ولن تفتك بوردتي التي لم اهديها لها، ستكونين وفية وقادرة دوماً على أن تبثي مشاعر الطمأنينة في داخلي كما لم تفعل كل النساء اللواتي ضممتهن في حياتي، فالحاجة للمرأة هي حاجة الرجل إلى العودة إلى ذلك المكان السحيق من الامان الذي أحاط به في رحم امه يوماً، حيث لن يعرف بعد لحظة ولادته تلك ذلك الشعور ابداً، وإن دأب كل حياته ليلتقط ذلك الشعور ثانية، لكنه سيكون من العبث ان يظن ان امرأة ما هي التي ستحمل له ذلك الشعور دون غيرها، وسيكون من العبث ان يجرب حضن كل النساء، في مسعى حثيث ليجد نفسه ثانية في رحم أمه، ولن تقبل كل نساء العالم ان تكون بديلا لأمه التي أطلقته في الحياة وهي تدعو له ان يجد المرأة الأم ثانية، إنها حلقة مفرغة من ايجاد الحب وفقدانه، ستتكرر، إلى حين يعود إلى الحضن الاكثر أمانا والأطول استقراراً من كل ماسبق وعاشه في الحياة، إلى رحم الارض الذي لا يلفظ ساكنيه بل يمتصهم رويدا رويدا في مسعى لانهائي لخلق مكونات الحياة الازلية من جديد، واعادة بث الروح في ازهار ستنبت فوق قبره.!!!


No comments:

Post a Comment